دانلود مقاله در مورد سوره بقره

دسته بندي : مقاله » مقالات فارسی مختلف
لینک دانلود و خرید پایین توضیحات
دسته بندی : وورد
نوع فایل :  word (..doc) ( قابل ويرايش و آماده پرينت )
تعداد صفحه : 51 صفحه

 قسمتی از متن word (..doc) : 
 

‏2
‏سوره بقره ‏–‏ آیات 15-20
‏جامع البیان (طبری)
‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
‏الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي صِفَة اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ جَلَاله الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ فَاعِله بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ كَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا تَبَارَكَ اسْمه أَنَّهُ فَاعِل بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى } 57 13 : 14 الْآيَة , وَكَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فَعَلَ بِالْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرًا لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا } 3 78 فَهَذَا وَمَا أَشَبَهه مِنْ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَسُخْرِيَّته وَمَكْره وَخَدِيعَته لِلْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الشِّرْك بِهِ , عِنْد قَائِلِي هَذَا الْقَوْل وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ : تَوْبِيخه إيَّاهُمْ وَلَوْمه لَهُمْ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , كَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَيَهْزَأ مِنْهُ الْيَوْم وَيَسْخَر مِنْهُ ; يُرَاد بِهِ تَوْبِيخ النَّاس إيَّاهُ وَلَوْمهمْ لَهُ , أَوْ إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ , كَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : سَائِل بِنَا حُجْر ابْن أَمْ قَطَام إذْ ظَلَّتْ بِهِ السُّمْر النَّوَاهِل تَلْعَب فَزَعَمُوا أَنَّ السُّمْر وَهِيَ الْقَنَا لَا لَعِب مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا لَمَا قَتَلَتْهُمْ وَشَرَّدَتْهُمْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا لَعِبًا بِمَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ ; قَالُوا : فَكَذَلِكَ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمِنْ اسْتَهْزَأَ بِهِ مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر بِهِ , إمَّا إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ وَإِمَّا إمْلَاؤُهُ لَهُمْ لِيَأْخُذهُمْ فِي حَال أَمْنهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ بَغْتَة , أَوْ تَوْبِيخه لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِ إيَّاهُمْ قَالُوا : وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَكْر مِنْهُ وَالْخَدِيعَة وَالسُّخْرِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسهمْ } عَلَى الْجَوَاب , كَقَوْلِ الرَّجُل لِمَنْ كَانَ يَخْدَعهُ إذَا ظَفَرَ بِهِ : أَنَا الَّذِي خَدَعْتُك وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ خَدِيعَة وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ إذْ صَارَ الْأَمْر إلَيْهِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } 3 54 وَاَللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ عَلَى الْجَوَاب , وَاَللَّه لَا يَكُون مِنْهُ الْمَكْر وَلَا الْهُزْء . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمَكْر وَالْهُزْء حَاقّ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَقَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } 4 142 وَقَوْله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 و { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , إخْبَار مِنْ اللَّه أَنَّهُ مُجَازِيهمْ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء , وَمُعَاقِبهمْ عُقُوبَة الْخِدَاع . فَأَخْرَجَ خَبَره عَنْ جَزَائِهِ وَمَا إيَّاهُمْ وَعِقَابه لَهُمْ مَخْرَج خَبَره عَنْ فِعْلهمْ الَّذِي عَلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْعِقَاب فِي اللَّفْظ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } 42 40 وَمَعْلُوم أَنَّ الْأُولَى مِنْ صَاحِبهَا سَيِّئَة إذْ كَانَتْ مِنْهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْصِيَة , وَأَنَّ الْأُخْرَى عَدْل لِأَنَّهَا مِنْ اللَّه جَزَاء لِلْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَة . فَهُمَا وَإِنْ اتَّفَقَ لَفْظَاهُمَا مُخْتَلِفًا الْمَعْنَى . وَكَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } 2 194 فَالْعُدْوَان الْأَوَّل ظُلْم , وَالثَّانِي جَزَاء لَا ظُلْم , بَلْ هُوَ عَدْل ; لِأَنَّهُ عُقُوبَة لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمه وَإِنْ وَافَقَ لَفْظه لَفْظ الْأَوَّل . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَجَّهُوا كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَبَر عَنْ مَكْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْمٍ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ إذَا خَلَوْا إلَى مَرَدَتهمْ قَالُوا : إنَّا مَعَكُمْ عَلَى دِينكُمْ فِي تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَإِنَّمَا نَحْنُ بِمَا نُظْهِر لَهُمْ مِنْ قَوْلنَا لَهُمْ صَدَّقْنَا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُسْتَهْزِئُونَ . يَعْنُونَ : إنَّا نُظْهِر لَهُمْ مَا هُوَ عِنْدنَا بَاطِل لَا حَقّ وَلَا هُدًى . قَالُوا : وَذَلِكَ هُوَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الِاسْتِهْزَاء . فَأَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ فَيَظْهَر لَهُمْ مِنْ أَحْكَامه فِي الدُّنْيَا خِلَاف الَّذِي لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , كَمَا أَظَهَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّين مَا هُمْ عَلَى خِلَافه فِي سَرَائِرهمْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل وَالتَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : إظْهَار الْمُسْتَهْزِئ لِلْمُسْتَهْزَإِ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل مَا يُرْضِيه وَيُوَافِقهُ ظَاهِرًا , وَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ قَيْله وَفِعْله بِهِ مُوَرِّثه مُسَاءَة بَاطِنًا , وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْخِدَاع وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ لِأَهْلِ النِّفَاق فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْكَام بِمَا أَظَهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه الْمُدْخِل لَهُمْ فِي عِدَاد مَنْ يَشْمَلهُ اسْم الْإِسْلَام وَإِنْ كَانُوا لِغَيْرِ ذَلِكَ مُسْتَبْطِنِينَ مِنْ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ إقْرَارهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِذَلِكَ بِضَمَائِر قُلُوبهمْ وَصَحَائِح عَزَائِمهمْ وَحَمِيد أَفْعَالهمْ الْمُحَقِّقَة لَهُمْ صِحَّة إيمَانهمْ , مَعَ عِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَذِبِهِمْ , وَاطِّلَاعه عَلَى خُبْث اعْتِقَادهمْ وَشَكّهمْ فِيمَا ادَّعَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ حَتَّى ظَنُّوا فِي الْآخِرَة إذْ حُشِرُوا فِي عِدَاد مَنْ كَانُوا فِي عِدَادهمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ وَارِدُونَ مَوْرِدهمْ وَدَاخِلُونَ مَدْخَلهمْ , وَاَللَّه جَلَّ جَلَاله مَعَ إظْهَاره مَا قَدْ أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأَحْكَام لِمُلْحَقَتِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْآخِرَة إلَى حَال تَمْيِيزه بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ وَتَفْرِيقه بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ ; مُعَدٍّ لَهُمْ مِنْ أَلِيم عِقَابه وَنَكَال عَذَابه مَا أَعَدَّ مِنْهُ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ وَأَشَرّ عِبَاده , حَتَّى مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ فَأَلْحَقَهُمْ مِنْ طَبَقَات جَحِيمه بِالدَّرْكِ الْأَسْفَل . كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْله بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ جَزَاء لَهُمْ عَلَى أَفْعَالهمْ وَعَدْلًا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ بِعِصْيَانِهِمْ لَهُ كَانَ بِهِمْ بِمَا أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأُمُور الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُمْ مِنْ إلْحَاقه أَحْكَامهمْ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ أَوْلِيَائِهِ وَهُمْ لَهُ أَعْدَاء , وَحَشْره إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بِهِ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ إلَى أَنْ مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ , مُسْتَهْزِئًا وَسَاخِرًا وَلَهُمْ خَادِعًا وَبِهِمْ مَاكِرًا . إذْ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر وَالْخَدِيعَة مَا وَصَفْنَا قَبْل , دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي حَال فِيهَا الْمُسْتَهْزِئ بِصَاحِبِهِ لَهُ ظَالِم أَوْ عَلَيْهِ فِيهَا غَيْر عَادِل , بَلْ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي كُلّ أَحْوَاله إذَا وُجِدَتْ الصِّفَات الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَمَا أَشَبَهه مِنْ نَظَائِره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ ابْن عَبَّاس . 307 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ : يَسْخَر بِهِمْ لِلنِّقْمَةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه الْجَوَاب , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة ; فَنَافُونَ عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا قَدْ أَثَبَتَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَهُ لَهَا . وَسَوَاء قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة وَلَا سُخْرِيَة بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ وَيَسْخَر وَيَمْكُر بِهِ , أَوْ قَالَ : لَمْ يَخْسِف اللَّه بِمَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِ مِنْ الْأُمَم , وَلَمْ يُغْرِق مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُ مِنْهُمْ . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ مَكَرَ بِقَوْمِ مَضَوْا قَبْلنَا لَمْ نَرَهُمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِمْ , وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُمْ , فَصَدَّقْنَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ نُفَرِّق بَيْن شَيْء مِنْهُ , فَمَا بُرْهَانك عَلَى تَفْرِيقك مَا فَرَّقْت بَيْنه بِزَعْمِك أَنَّهُ قَدْ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِهِ , وَلَمْ يَمْكُر بِهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ ؟ ثُمَّ نَعْكِس الْقَوْل عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنْ يَقُول إنَّ الِاسْتِهْزَاء عَبَث وَلَعِب , وَذَلِكَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْفِيّ . قِيلَ لَهُ : إنْ كَانَ الْأَمْر عِنْدك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء , أَفَلَسْت تَقُول : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ وَمَكَرَ اللَّه بِهِمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه عِنْدك هُزْء وَلَا سُخْرِيَة ؟ فَإِنْ قَالَ : " لَا " كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَخَرَجَ عَنْ مِلَّة الْإِسْلَام , وَإِنْ قَالَ : " بَلَى " , قِيلَ لَهُ : أَفَتَقُول مِنْ الْوَجْه الَّذِي قُلْت : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ ; يَلْعَب اللَّه بِهِمْ وَيَعْبَث , وَلَا لَعِب مِنْ اللَّه وَلَا عَبَث ؟ فَإِنْ قَالَ : " نَعَمْ " , وَصَفَ اللَّه بِمَا قَدْ أَجَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَفِيه عَنْهُ وَعَلَى تَخْطِئَة وَاصِفه بِهِ , وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا قَدْ قَامَتْ الْحُجَّة مِنْ الْعُقُول عَلَى ضَلَال مُضِيفه إلَيْهِ . وَإِنْ قَالَ : لَا أَقُول يَلْعَب اللَّه بِهِ وَلَا يَعْبَث , وَقَدْ أَقُول يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَسْخَر مِنْهُمْ ; قِيلَ : فَقَدْ فَرَّقْت بَيْن مَعْنَى اللَّعِب , وَالْعَبَث , وَالْهُزْء , وَالسُّخْرِيَة , وَالْمَكْر , وَالْخَدِيعَة . وَمِنْ الْوَجْه الَّذِي جَازَ قِيلَ هَذَا وَلَمْ يَجُزْ قِيلَ هَذَا افْتَرَقَ مَعْنَيَاهُمَا , فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر . وَلِلْكَلَامِ فِي هَذَا النَّوْع مَوْضِع غَيْر هَذَا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِاسْتِقْصَائِهِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .
‏2
‏سوره بقره ‏–‏ آیات 15-20
‏جامع البیان (طبری)
‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
‏الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي صِفَة اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ جَلَاله الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ فَاعِله بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ كَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا تَبَارَكَ اسْمه أَنَّهُ فَاعِل بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى } 57 13 : 14 الْآيَة , وَكَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فَعَلَ بِالْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرًا لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا } 3 78 فَهَذَا وَمَا أَشَبَهه مِنْ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَسُخْرِيَّته وَمَكْره وَخَدِيعَته لِلْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الشِّرْك بِهِ , عِنْد قَائِلِي هَذَا الْقَوْل وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ : تَوْبِيخه إيَّاهُمْ وَلَوْمه لَهُمْ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , كَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَيَهْزَأ مِنْهُ الْيَوْم وَيَسْخَر مِنْهُ ; يُرَاد بِهِ تَوْبِيخ النَّاس إيَّاهُ وَلَوْمهمْ لَهُ , أَوْ إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ , كَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : سَائِل بِنَا حُجْر ابْن أَمْ قَطَام إذْ ظَلَّتْ بِهِ السُّمْر النَّوَاهِل تَلْعَب فَزَعَمُوا أَنَّ السُّمْر وَهِيَ الْقَنَا لَا لَعِب مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا لَمَا قَتَلَتْهُمْ وَشَرَّدَتْهُمْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا لَعِبًا بِمَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ ; قَالُوا : فَكَذَلِكَ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمِنْ اسْتَهْزَأَ بِهِ مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر بِهِ , إمَّا إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ وَإِمَّا إمْلَاؤُهُ لَهُمْ لِيَأْخُذهُمْ فِي حَال أَمْنهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ بَغْتَة , أَوْ تَوْبِيخه لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِ إيَّاهُمْ قَالُوا : وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَكْر مِنْهُ وَالْخَدِيعَة وَالسُّخْرِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسهمْ } عَلَى الْجَوَاب , كَقَوْلِ الرَّجُل لِمَنْ كَانَ يَخْدَعهُ إذَا ظَفَرَ بِهِ : أَنَا الَّذِي خَدَعْتُك وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ خَدِيعَة وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ إذْ صَارَ الْأَمْر إلَيْهِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } 3 54 وَاَللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ عَلَى الْجَوَاب , وَاَللَّه لَا يَكُون مِنْهُ الْمَكْر وَلَا الْهُزْء . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمَكْر وَالْهُزْء حَاقّ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَقَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } 4 142 وَقَوْله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 و { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , إخْبَار مِنْ اللَّه أَنَّهُ مُجَازِيهمْ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء , وَمُعَاقِبهمْ عُقُوبَة الْخِدَاع . فَأَخْرَجَ خَبَره عَنْ جَزَائِهِ وَمَا إيَّاهُمْ وَعِقَابه لَهُمْ مَخْرَج خَبَره عَنْ فِعْلهمْ الَّذِي عَلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْعِقَاب فِي اللَّفْظ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } 42 40 وَمَعْلُوم أَنَّ الْأُولَى مِنْ صَاحِبهَا سَيِّئَة إذْ كَانَتْ مِنْهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْصِيَة , وَأَنَّ الْأُخْرَى عَدْل لِأَنَّهَا مِنْ اللَّه جَزَاء لِلْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَة . فَهُمَا وَإِنْ اتَّفَقَ لَفْظَاهُمَا مُخْتَلِفًا الْمَعْنَى . وَكَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } 2 194 فَالْعُدْوَان الْأَوَّل ظُلْم , وَالثَّانِي جَزَاء لَا ظُلْم , بَلْ هُوَ عَدْل ; لِأَنَّهُ عُقُوبَة لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمه وَإِنْ وَافَقَ لَفْظه لَفْظ الْأَوَّل . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَجَّهُوا كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَبَر عَنْ مَكْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْمٍ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ إذَا خَلَوْا إلَى مَرَدَتهمْ قَالُوا : إنَّا مَعَكُمْ عَلَى دِينكُمْ فِي تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَإِنَّمَا نَحْنُ بِمَا نُظْهِر لَهُمْ مِنْ قَوْلنَا لَهُمْ صَدَّقْنَا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُسْتَهْزِئُونَ . يَعْنُونَ : إنَّا نُظْهِر لَهُمْ مَا هُوَ عِنْدنَا بَاطِل لَا حَقّ وَلَا هُدًى . قَالُوا : وَذَلِكَ هُوَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الِاسْتِهْزَاء . فَأَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ فَيَظْهَر لَهُمْ مِنْ أَحْكَامه فِي الدُّنْيَا خِلَاف الَّذِي لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , كَمَا أَظَهَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّين مَا هُمْ عَلَى خِلَافه فِي سَرَائِرهمْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل وَالتَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : إظْهَار الْمُسْتَهْزِئ لِلْمُسْتَهْزَإِ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل مَا يُرْضِيه وَيُوَافِقهُ ظَاهِرًا , وَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ قَيْله وَفِعْله بِهِ مُوَرِّثه مُسَاءَة بَاطِنًا , وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْخِدَاع وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ لِأَهْلِ النِّفَاق فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْكَام بِمَا أَظَهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه الْمُدْخِل لَهُمْ فِي عِدَاد مَنْ يَشْمَلهُ اسْم الْإِسْلَام وَإِنْ كَانُوا لِغَيْرِ ذَلِكَ مُسْتَبْطِنِينَ مِنْ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ إقْرَارهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِذَلِكَ بِضَمَائِر قُلُوبهمْ وَصَحَائِح عَزَائِمهمْ وَحَمِيد أَفْعَالهمْ الْمُحَقِّقَة لَهُمْ صِحَّة إيمَانهمْ , مَعَ عِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَذِبِهِمْ , وَاطِّلَاعه عَلَى خُبْث اعْتِقَادهمْ وَشَكّهمْ فِيمَا ادَّعَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ حَتَّى ظَنُّوا فِي الْآخِرَة إذْ حُشِرُوا فِي عِدَاد مَنْ كَانُوا فِي عِدَادهمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ وَارِدُونَ مَوْرِدهمْ وَدَاخِلُونَ مَدْخَلهمْ , وَاَللَّه جَلَّ جَلَاله مَعَ إظْهَاره مَا قَدْ أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأَحْكَام لِمُلْحَقَتِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْآخِرَة إلَى حَال تَمْيِيزه بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ وَتَفْرِيقه بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ ; مُعَدٍّ لَهُمْ مِنْ أَلِيم عِقَابه وَنَكَال عَذَابه مَا أَعَدَّ مِنْهُ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ وَأَشَرّ عِبَاده , حَتَّى مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ فَأَلْحَقَهُمْ مِنْ طَبَقَات جَحِيمه بِالدَّرْكِ الْأَسْفَل . كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْله بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ جَزَاء لَهُمْ عَلَى أَفْعَالهمْ وَعَدْلًا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ بِعِصْيَانِهِمْ لَهُ كَانَ بِهِمْ بِمَا أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأُمُور الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُمْ مِنْ إلْحَاقه أَحْكَامهمْ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ أَوْلِيَائِهِ وَهُمْ لَهُ أَعْدَاء , وَحَشْره إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بِهِ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ إلَى أَنْ مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ , مُسْتَهْزِئًا وَسَاخِرًا وَلَهُمْ خَادِعًا وَبِهِمْ مَاكِرًا . إذْ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر وَالْخَدِيعَة مَا وَصَفْنَا قَبْل , دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي حَال فِيهَا الْمُسْتَهْزِئ بِصَاحِبِهِ لَهُ ظَالِم أَوْ عَلَيْهِ فِيهَا غَيْر عَادِل , بَلْ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي كُلّ أَحْوَاله إذَا وُجِدَتْ الصِّفَات الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَمَا أَشَبَهه مِنْ نَظَائِره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ ابْن عَبَّاس . 307 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ : يَسْخَر بِهِمْ لِلنِّقْمَةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه الْجَوَاب , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة ; فَنَافُونَ عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا قَدْ أَثَبَتَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَهُ لَهَا . وَسَوَاء قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة وَلَا سُخْرِيَة بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ وَيَسْخَر وَيَمْكُر بِهِ , أَوْ قَالَ : لَمْ يَخْسِف اللَّه بِمَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِ مِنْ الْأُمَم , وَلَمْ يُغْرِق مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُ مِنْهُمْ . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ مَكَرَ بِقَوْمِ مَضَوْا قَبْلنَا لَمْ نَرَهُمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِمْ , وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُمْ , فَصَدَّقْنَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ نُفَرِّق بَيْن شَيْء مِنْهُ , فَمَا بُرْهَانك عَلَى تَفْرِيقك مَا فَرَّقْت بَيْنه بِزَعْمِك أَنَّهُ قَدْ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِهِ , وَلَمْ يَمْكُر بِهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ ؟ ثُمَّ نَعْكِس الْقَوْل عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنْ يَقُول إنَّ الِاسْتِهْزَاء عَبَث وَلَعِب , وَذَلِكَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْفِيّ . قِيلَ لَهُ : إنْ كَانَ الْأَمْر عِنْدك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء , أَفَلَسْت تَقُول : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ وَمَكَرَ اللَّه بِهِمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه عِنْدك هُزْء وَلَا سُخْرِيَة ؟ فَإِنْ قَالَ : " لَا " كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَخَرَجَ عَنْ مِلَّة الْإِسْلَام , وَإِنْ قَالَ : " بَلَى " , قِيلَ لَهُ : أَفَتَقُول مِنْ الْوَجْه الَّذِي قُلْت : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ ; يَلْعَب اللَّه بِهِمْ وَيَعْبَث , وَلَا لَعِب مِنْ اللَّه وَلَا عَبَث ؟ فَإِنْ قَالَ : " نَعَمْ " , وَصَفَ اللَّه بِمَا قَدْ أَجَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَفِيه عَنْهُ وَعَلَى تَخْطِئَة وَاصِفه بِهِ , وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا قَدْ قَامَتْ الْحُجَّة مِنْ الْعُقُول عَلَى ضَلَال مُضِيفه إلَيْهِ . وَإِنْ قَالَ : لَا أَقُول يَلْعَب اللَّه بِهِ وَلَا يَعْبَث , وَقَدْ أَقُول يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَسْخَر مِنْهُمْ ; قِيلَ : فَقَدْ فَرَّقْت بَيْن مَعْنَى اللَّعِب , وَالْعَبَث , وَالْهُزْء , وَالسُّخْرِيَة , وَالْمَكْر , وَالْخَدِيعَة . وَمِنْ الْوَجْه الَّذِي جَازَ قِيلَ هَذَا وَلَمْ يَجُزْ قِيلَ هَذَا افْتَرَقَ مَعْنَيَاهُمَا , فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر . وَلِلْكَلَامِ فِي هَذَا النَّوْع مَوْضِع غَيْر هَذَا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِاسْتِقْصَائِهِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .
‏2
‏سوره بقره ‏–‏ آیات 15-20
‏جامع البیان (طبری)
‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
‏الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي صِفَة اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ جَلَاله الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ فَاعِله بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ كَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا تَبَارَكَ اسْمه أَنَّهُ فَاعِل بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى } 57 13 : 14 الْآيَة , وَكَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فَعَلَ بِالْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرًا لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا } 3 78 فَهَذَا وَمَا أَشَبَهه مِنْ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَسُخْرِيَّته وَمَكْره وَخَدِيعَته لِلْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الشِّرْك بِهِ , عِنْد قَائِلِي هَذَا الْقَوْل وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ : تَوْبِيخه إيَّاهُمْ وَلَوْمه لَهُمْ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , كَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَيَهْزَأ مِنْهُ الْيَوْم وَيَسْخَر مِنْهُ ; يُرَاد بِهِ تَوْبِيخ النَّاس إيَّاهُ وَلَوْمهمْ لَهُ , أَوْ إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ , كَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : سَائِل بِنَا حُجْر ابْن أَمْ قَطَام إذْ ظَلَّتْ بِهِ السُّمْر النَّوَاهِل تَلْعَب فَزَعَمُوا أَنَّ السُّمْر وَهِيَ الْقَنَا لَا لَعِب مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا لَمَا قَتَلَتْهُمْ وَشَرَّدَتْهُمْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا لَعِبًا بِمَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ ; قَالُوا : فَكَذَلِكَ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمِنْ اسْتَهْزَأَ بِهِ مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر بِهِ , إمَّا إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ وَإِمَّا إمْلَاؤُهُ لَهُمْ لِيَأْخُذهُمْ فِي حَال أَمْنهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ بَغْتَة , أَوْ تَوْبِيخه لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِ إيَّاهُمْ قَالُوا : وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَكْر مِنْهُ وَالْخَدِيعَة وَالسُّخْرِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسهمْ } عَلَى الْجَوَاب , كَقَوْلِ الرَّجُل لِمَنْ كَانَ يَخْدَعهُ إذَا ظَفَرَ بِهِ : أَنَا الَّذِي خَدَعْتُك وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ خَدِيعَة وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ إذْ صَارَ الْأَمْر إلَيْهِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } 3 54 وَاَللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ عَلَى الْجَوَاب , وَاَللَّه لَا يَكُون مِنْهُ الْمَكْر وَلَا الْهُزْء . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمَكْر وَالْهُزْء حَاقّ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَقَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } 4 142 وَقَوْله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 و { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , إخْبَار مِنْ اللَّه أَنَّهُ مُجَازِيهمْ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء , وَمُعَاقِبهمْ عُقُوبَة الْخِدَاع . فَأَخْرَجَ خَبَره عَنْ جَزَائِهِ وَمَا إيَّاهُمْ وَعِقَابه لَهُمْ مَخْرَج خَبَره عَنْ فِعْلهمْ الَّذِي عَلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْعِقَاب فِي اللَّفْظ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } 42 40 وَمَعْلُوم أَنَّ الْأُولَى مِنْ صَاحِبهَا سَيِّئَة إذْ كَانَتْ مِنْهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْصِيَة , وَأَنَّ الْأُخْرَى عَدْل لِأَنَّهَا مِنْ اللَّه جَزَاء لِلْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَة . فَهُمَا وَإِنْ اتَّفَقَ لَفْظَاهُمَا مُخْتَلِفًا الْمَعْنَى . وَكَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } 2 194 فَالْعُدْوَان الْأَوَّل ظُلْم , وَالثَّانِي جَزَاء لَا ظُلْم , بَلْ هُوَ عَدْل ; لِأَنَّهُ عُقُوبَة لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمه وَإِنْ وَافَقَ لَفْظه لَفْظ الْأَوَّل . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَجَّهُوا كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَبَر عَنْ مَكْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْمٍ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ إذَا خَلَوْا إلَى مَرَدَتهمْ قَالُوا : إنَّا مَعَكُمْ عَلَى دِينكُمْ فِي تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَإِنَّمَا نَحْنُ بِمَا نُظْهِر لَهُمْ مِنْ قَوْلنَا لَهُمْ صَدَّقْنَا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُسْتَهْزِئُونَ . يَعْنُونَ : إنَّا نُظْهِر لَهُمْ مَا هُوَ عِنْدنَا بَاطِل لَا حَقّ وَلَا هُدًى . قَالُوا : وَذَلِكَ هُوَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الِاسْتِهْزَاء . فَأَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ فَيَظْهَر لَهُمْ مِنْ أَحْكَامه فِي الدُّنْيَا خِلَاف الَّذِي لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , كَمَا أَظَهَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّين مَا هُمْ عَلَى خِلَافه فِي سَرَائِرهمْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل وَالتَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : إظْهَار الْمُسْتَهْزِئ لِلْمُسْتَهْزَإِ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل مَا يُرْضِيه وَيُوَافِقهُ ظَاهِرًا , وَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ قَيْله وَفِعْله بِهِ مُوَرِّثه مُسَاءَة بَاطِنًا , وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْخِدَاع وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ لِأَهْلِ النِّفَاق فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْكَام بِمَا أَظَهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه الْمُدْخِل لَهُمْ فِي عِدَاد مَنْ يَشْمَلهُ اسْم الْإِسْلَام وَإِنْ كَانُوا لِغَيْرِ ذَلِكَ مُسْتَبْطِنِينَ مِنْ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ إقْرَارهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِذَلِكَ بِضَمَائِر قُلُوبهمْ وَصَحَائِح عَزَائِمهمْ وَحَمِيد أَفْعَالهمْ الْمُحَقِّقَة لَهُمْ صِحَّة إيمَانهمْ , مَعَ عِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَذِبِهِمْ , وَاطِّلَاعه عَلَى خُبْث اعْتِقَادهمْ وَشَكّهمْ فِيمَا ادَّعَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ حَتَّى ظَنُّوا فِي الْآخِرَة إذْ حُشِرُوا فِي عِدَاد مَنْ كَانُوا فِي عِدَادهمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ وَارِدُونَ مَوْرِدهمْ وَدَاخِلُونَ مَدْخَلهمْ , وَاَللَّه جَلَّ جَلَاله مَعَ إظْهَاره مَا قَدْ أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأَحْكَام لِمُلْحَقَتِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْآخِرَة إلَى حَال تَمْيِيزه بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ وَتَفْرِيقه بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ ; مُعَدٍّ لَهُمْ مِنْ أَلِيم عِقَابه وَنَكَال عَذَابه مَا أَعَدَّ مِنْهُ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ وَأَشَرّ عِبَاده , حَتَّى مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ فَأَلْحَقَهُمْ مِنْ طَبَقَات جَحِيمه بِالدَّرْكِ الْأَسْفَل . كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْله بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ جَزَاء لَهُمْ عَلَى أَفْعَالهمْ وَعَدْلًا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ بِعِصْيَانِهِمْ لَهُ كَانَ بِهِمْ بِمَا أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأُمُور الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُمْ مِنْ إلْحَاقه أَحْكَامهمْ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ أَوْلِيَائِهِ وَهُمْ لَهُ أَعْدَاء , وَحَشْره إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بِهِ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ إلَى أَنْ مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ , مُسْتَهْزِئًا وَسَاخِرًا وَلَهُمْ خَادِعًا وَبِهِمْ مَاكِرًا . إذْ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر وَالْخَدِيعَة مَا وَصَفْنَا قَبْل , دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي حَال فِيهَا الْمُسْتَهْزِئ بِصَاحِبِهِ لَهُ ظَالِم أَوْ عَلَيْهِ فِيهَا غَيْر عَادِل , بَلْ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي كُلّ أَحْوَاله إذَا وُجِدَتْ الصِّفَات الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَمَا أَشَبَهه مِنْ نَظَائِره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ ابْن عَبَّاس . 307 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ : يَسْخَر بِهِمْ لِلنِّقْمَةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه الْجَوَاب , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة ; فَنَافُونَ عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا قَدْ أَثَبَتَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَهُ لَهَا . وَسَوَاء قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة وَلَا سُخْرِيَة بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ وَيَسْخَر وَيَمْكُر بِهِ , أَوْ قَالَ : لَمْ يَخْسِف اللَّه بِمَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِ مِنْ الْأُمَم , وَلَمْ يُغْرِق مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُ مِنْهُمْ . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ مَكَرَ بِقَوْمِ مَضَوْا قَبْلنَا لَمْ نَرَهُمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِمْ , وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُمْ , فَصَدَّقْنَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ نُفَرِّق بَيْن شَيْء مِنْهُ , فَمَا بُرْهَانك عَلَى تَفْرِيقك مَا فَرَّقْت بَيْنه بِزَعْمِك أَنَّهُ قَدْ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِهِ , وَلَمْ يَمْكُر بِهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ ؟ ثُمَّ نَعْكِس الْقَوْل عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنْ يَقُول إنَّ الِاسْتِهْزَاء عَبَث وَلَعِب , وَذَلِكَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْفِيّ . قِيلَ لَهُ : إنْ كَانَ الْأَمْر عِنْدك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء , أَفَلَسْت تَقُول : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ وَمَكَرَ اللَّه بِهِمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه عِنْدك هُزْء وَلَا سُخْرِيَة ؟ فَإِنْ قَالَ : " لَا " كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَخَرَجَ عَنْ مِلَّة الْإِسْلَام , وَإِنْ قَالَ : " بَلَى " , قِيلَ لَهُ : أَفَتَقُول مِنْ الْوَجْه الَّذِي قُلْت : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ ; يَلْعَب اللَّه بِهِمْ وَيَعْبَث , وَلَا لَعِب مِنْ اللَّه وَلَا عَبَث ؟ فَإِنْ قَالَ : " نَعَمْ " , وَصَفَ اللَّه بِمَا قَدْ أَجَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَفِيه عَنْهُ وَعَلَى تَخْطِئَة وَاصِفه بِهِ , وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا قَدْ قَامَتْ الْحُجَّة مِنْ الْعُقُول عَلَى ضَلَال مُضِيفه إلَيْهِ . وَإِنْ قَالَ : لَا أَقُول يَلْعَب اللَّه بِهِ وَلَا يَعْبَث , وَقَدْ أَقُول يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَسْخَر مِنْهُمْ ; قِيلَ : فَقَدْ فَرَّقْت بَيْن مَعْنَى اللَّعِب , وَالْعَبَث , وَالْهُزْء , وَالسُّخْرِيَة , وَالْمَكْر , وَالْخَدِيعَة . وَمِنْ الْوَجْه الَّذِي جَازَ قِيلَ هَذَا وَلَمْ يَجُزْ قِيلَ هَذَا افْتَرَقَ مَعْنَيَاهُمَا , فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر . وَلِلْكَلَامِ فِي هَذَا النَّوْع مَوْضِع غَيْر هَذَا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِاسْتِقْصَائِهِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .
‏2
‏سوره بقره ‏–‏ آیات 15-20
‏جامع البیان (طبری)
‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
‏الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي صِفَة اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ جَلَاله الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ فَاعِله بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ كَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا تَبَارَكَ اسْمه أَنَّهُ فَاعِل بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى } 57 13 : 14 الْآيَة , وَكَاَلَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فَعَلَ بِالْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرًا لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا } 3 78 فَهَذَا وَمَا أَشَبَهه مِنْ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَسُخْرِيَّته وَمَكْره وَخَدِيعَته لِلْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الشِّرْك بِهِ , عِنْد قَائِلِي هَذَا الْقَوْل وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ : تَوْبِيخه إيَّاهُمْ وَلَوْمه لَهُمْ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , كَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَيَهْزَأ مِنْهُ الْيَوْم وَيَسْخَر مِنْهُ ; يُرَاد بِهِ تَوْبِيخ النَّاس إيَّاهُ وَلَوْمهمْ لَهُ , أَوْ إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ , كَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : سَائِل بِنَا حُجْر ابْن أَمْ قَطَام إذْ ظَلَّتْ بِهِ السُّمْر النَّوَاهِل تَلْعَب فَزَعَمُوا أَنَّ السُّمْر وَهِيَ الْقَنَا لَا لَعِب مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا لَمَا قَتَلَتْهُمْ وَشَرَّدَتْهُمْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا لَعِبًا بِمَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ ; قَالُوا : فَكَذَلِكَ اسْتِهْزَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمِنْ اسْتَهْزَأَ بِهِ مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر بِهِ , إمَّا إهْلَاكه إيَّاهُمْ وَتَدْمِيره بِهِمْ وَإِمَّا إمْلَاؤُهُ لَهُمْ لِيَأْخُذهُمْ فِي حَال أَمْنهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ بَغْتَة , أَوْ تَوْبِيخه لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِ إيَّاهُمْ قَالُوا : وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَكْر مِنْهُ وَالْخَدِيعَة وَالسُّخْرِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسهمْ } عَلَى الْجَوَاب , كَقَوْلِ الرَّجُل لِمَنْ كَانَ يَخْدَعهُ إذَا ظَفَرَ بِهِ : أَنَا الَّذِي خَدَعْتُك وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ خَدِيعَة وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ إذْ صَارَ الْأَمْر إلَيْهِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } 3 54 وَاَللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ عَلَى الْجَوَاب , وَاَللَّه لَا يَكُون مِنْهُ الْمَكْر وَلَا الْهُزْء . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمَكْر وَالْهُزْء حَاقّ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : قَوْله : { إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَقَوْله : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } 4 142 وَقَوْله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 و { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , إخْبَار مِنْ اللَّه أَنَّهُ مُجَازِيهمْ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء , وَمُعَاقِبهمْ عُقُوبَة الْخِدَاع . فَأَخْرَجَ خَبَره عَنْ جَزَائِهِ وَمَا إيَّاهُمْ وَعِقَابه لَهُمْ مَخْرَج خَبَره عَنْ فِعْلهمْ الَّذِي عَلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْعِقَاب فِي اللَّفْظ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } 42 40 وَمَعْلُوم أَنَّ الْأُولَى مِنْ صَاحِبهَا سَيِّئَة إذْ كَانَتْ مِنْهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْصِيَة , وَأَنَّ الْأُخْرَى عَدْل لِأَنَّهَا مِنْ اللَّه جَزَاء لِلْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَة . فَهُمَا وَإِنْ اتَّفَقَ لَفْظَاهُمَا مُخْتَلِفًا الْمَعْنَى . وَكَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } 2 194 فَالْعُدْوَان الْأَوَّل ظُلْم , وَالثَّانِي جَزَاء لَا ظُلْم , بَلْ هُوَ عَدْل ; لِأَنَّهُ عُقُوبَة لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمه وَإِنْ وَافَقَ لَفْظه لَفْظ الْأَوَّل . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَجَّهُوا كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَبَر عَنْ مَكْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْمٍ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ إذَا خَلَوْا إلَى مَرَدَتهمْ قَالُوا : إنَّا مَعَكُمْ عَلَى دِينكُمْ فِي تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَإِنَّمَا نَحْنُ بِمَا نُظْهِر لَهُمْ مِنْ قَوْلنَا لَهُمْ صَدَّقْنَا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُسْتَهْزِئُونَ . يَعْنُونَ : إنَّا نُظْهِر لَهُمْ مَا هُوَ عِنْدنَا بَاطِل لَا حَقّ وَلَا هُدًى . قَالُوا : وَذَلِكَ هُوَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الِاسْتِهْزَاء . فَأَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ فَيَظْهَر لَهُمْ مِنْ أَحْكَامه فِي الدُّنْيَا خِلَاف الَّذِي لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , كَمَا أَظَهَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّين مَا هُمْ عَلَى خِلَافه فِي سَرَائِرهمْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل وَالتَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : إظْهَار الْمُسْتَهْزِئ لِلْمُسْتَهْزَإِ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل مَا يُرْضِيه وَيُوَافِقهُ ظَاهِرًا , وَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ قَيْله وَفِعْله بِهِ مُوَرِّثه مُسَاءَة بَاطِنًا , وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْخِدَاع وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ لِأَهْلِ النِّفَاق فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْكَام بِمَا أَظَهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه الْمُدْخِل لَهُمْ فِي عِدَاد مَنْ يَشْمَلهُ اسْم الْإِسْلَام وَإِنْ كَانُوا لِغَيْرِ ذَلِكَ مُسْتَبْطِنِينَ مِنْ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ إقْرَارهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِذَلِكَ بِضَمَائِر قُلُوبهمْ وَصَحَائِح عَزَائِمهمْ وَحَمِيد أَفْعَالهمْ الْمُحَقِّقَة لَهُمْ صِحَّة إيمَانهمْ , مَعَ عِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَذِبِهِمْ , وَاطِّلَاعه عَلَى خُبْث اعْتِقَادهمْ وَشَكّهمْ فِيمَا ادَّعَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ حَتَّى ظَنُّوا فِي الْآخِرَة إذْ حُشِرُوا فِي عِدَاد مَنْ كَانُوا فِي عِدَادهمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ وَارِدُونَ مَوْرِدهمْ وَدَاخِلُونَ مَدْخَلهمْ , وَاَللَّه جَلَّ جَلَاله مَعَ إظْهَاره مَا قَدْ أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأَحْكَام لِمُلْحَقَتِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْآخِرَة إلَى حَال تَمْيِيزه بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ وَتَفْرِيقه بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ ; مُعَدٍّ لَهُمْ مِنْ أَلِيم عِقَابه وَنَكَال عَذَابه مَا أَعَدَّ مِنْهُ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ وَأَشَرّ عِبَاده , حَتَّى مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِهِ فَأَلْحَقَهُمْ مِنْ طَبَقَات جَحِيمه بِالدَّرْكِ الْأَسْفَل . كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْله بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ جَزَاء لَهُمْ عَلَى أَفْعَالهمْ وَعَدْلًا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ بِعِصْيَانِهِمْ لَهُ كَانَ بِهِمْ بِمَا أَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْأُمُور الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُمْ مِنْ إلْحَاقه أَحْكَامهمْ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ أَوْلِيَائِهِ وَهُمْ لَهُ أَعْدَاء , وَحَشْره إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بِهِ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ إلَى أَنْ مَيَّزَ بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ , مُسْتَهْزِئًا وَسَاخِرًا وَلَهُمْ خَادِعًا وَبِهِمْ مَاكِرًا . إذْ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَالسُّخْرِيَة وَالْمَكْر وَالْخَدِيعَة مَا وَصَفْنَا قَبْل , دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي حَال فِيهَا الْمُسْتَهْزِئ بِصَاحِبِهِ لَهُ ظَالِم أَوْ عَلَيْهِ فِيهَا غَيْر عَادِل , بَلْ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي كُلّ أَحْوَاله إذَا وُجِدَتْ الصِّفَات الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء وَمَا أَشَبَهه مِنْ نَظَائِره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ ابْن عَبَّاس . 307 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } قَالَ : يَسْخَر بِهِمْ لِلنِّقْمَةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه الْجَوَاب , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة ; فَنَافُونَ عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا قَدْ أَثَبَتَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَهُ لَهَا . وَسَوَاء قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره اسْتِهْزَاء وَلَا مَكْر وَلَا خَدِيعَة وَلَا سُخْرِيَة بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ وَيَسْخَر وَيَمْكُر بِهِ , أَوْ قَالَ : لَمْ يَخْسِف اللَّه بِمَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِ مِنْ الْأُمَم , وَلَمْ يُغْرِق مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُ مِنْهُمْ . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ مَكَرَ بِقَوْمِ مَضَوْا قَبْلنَا لَمْ نَرَهُمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ خَسَفَ بِهِمْ , وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ أَغْرَقَهُمْ , فَصَدَّقْنَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ نُفَرِّق بَيْن شَيْء مِنْهُ , فَمَا بُرْهَانك عَلَى تَفْرِيقك مَا فَرَّقْت بَيْنه بِزَعْمِك أَنَّهُ قَدْ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِمِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَغْرَقَ وَخَسَفَ بِهِ , وَلَمْ يَمْكُر بِهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ ؟ ثُمَّ نَعْكِس الْقَوْل عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنْ يَقُول إنَّ الِاسْتِهْزَاء عَبَث وَلَعِب , وَذَلِكَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْفِيّ . قِيلَ لَهُ : إنْ كَانَ الْأَمْر عِنْدك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاء , أَفَلَسْت تَقُول : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ وَمَكَرَ اللَّه بِهِمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه عِنْدك هُزْء وَلَا سُخْرِيَة ؟ فَإِنْ قَالَ : " لَا " كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَخَرَجَ عَنْ مِلَّة الْإِسْلَام , وَإِنْ قَالَ : " بَلَى " , قِيلَ لَهُ : أَفَتَقُول مِنْ الْوَجْه الَّذِي قُلْت : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } وَسَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ ; يَلْعَب اللَّه بِهِمْ وَيَعْبَث , وَلَا لَعِب مِنْ اللَّه وَلَا عَبَث ؟ فَإِنْ قَالَ : " نَعَمْ " , وَصَفَ اللَّه بِمَا قَدْ أَجَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَفِيه عَنْهُ وَعَلَى تَخْطِئَة وَاصِفه بِهِ , وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا قَدْ قَامَتْ الْحُجَّة مِنْ الْعُقُول عَلَى ضَلَال مُضِيفه إلَيْهِ . وَإِنْ قَالَ : لَا أَقُول يَلْعَب اللَّه بِهِ وَلَا يَعْبَث , وَقَدْ أَقُول يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَسْخَر مِنْهُمْ ; قِيلَ : فَقَدْ فَرَّقْت بَيْن مَعْنَى اللَّعِب , وَالْعَبَث , وَالْهُزْء , وَالسُّخْرِيَة , وَالْمَكْر , وَالْخَدِيعَة . وَمِنْ الْوَجْه الَّذِي جَازَ قِيلَ هَذَا وَلَمْ يَجُزْ قِيلَ هَذَا افْتَرَقَ مَعْنَيَاهُمَا , فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر . وَلِلْكَلَامِ فِي هَذَا النَّوْع مَوْضِع غَيْر هَذَا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِاسْتِقْصَائِهِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .

 
دسته بندی: مقاله » مقالات فارسی مختلف

تعداد مشاهده: 4322 مشاهده

فرمت فایل دانلودی:.zip

فرمت فایل اصلی: .doc

تعداد صفحات: 51

حجم فایل:66 کیلوبایت

 قیمت: 6,000 تومان
پس از پرداخت، لینک دانلود فایل برای شما نشان داده می شود.   پرداخت و دریافت فایل


دانلود مقاله در مورد معادن زغالسنگ طبس 82 ص

دانلود مقاله در مورد معادن زغالسنگ طبس 82 ص - ‏1 ‏2 ‏فصل اول : آشنائي با شهرستان طبس ‏شهرستان طبس با وسعتي معادل 55460 كيلومتر مربع درشمال شرقي...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد مشتق

دانلود مقاله در مورد مشتق - ‏ ‏1- مقاديري از X‏ را كه تابع h‏ به ازاي آنها پيوسته است را بيابيد ؟ Y‏ يك تابع چندجمله اي است وبه ازاي هرعددحقيقي...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد مروري بر سيستم سوخت رساني گاز فشرده

دانلود مقاله در مورد مروري بر سيستم سوخت رساني گاز فشرده -     ‏نعيمه قدياني: ‏ ‏• مروري بر سيستم سوخت رساني گاز فشرده  ‏تكامل و بهره گيري از مو...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد مديريت استرايك در صنعت توريسم 40 ص

دانلود مقاله در مورد مديريت استرايك در صنعت توريسم 40 ص - 36 ‏بسمه تعالی ‏صنعت توریسم ‏فهرست ‏فصل اول- مقدمات و آمار و اطلاعات کلی و مورد نیاز.....

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد كارآموزي دادگاه

دانلود مقاله در مورد كارآموزي دادگاه - ‏2 ‏بسمه تعالي ‏موضوع : كارشناسي پرونده شماره 83/3-22/ح دادگاه حقوقي بندر عباس ‏الف ‏–‏ خلاصه پرونده : ‏...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد طرح تولید طناب پلاستیکی 62 ص

دانلود مقاله در مورد طرح تولید طناب پلاستیکی 62 ص - ‏طرح توليد طناب پلاستيكي ‏1 ‏فهرست مطالب ‏عنوان ‏صفحه ‏پيشگفتار‏ ‏ ‏...........................

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد صورت حساب سود و زیان شرکت لوله سازی ایران 101 ص

دانلود مقاله در مورد صورت حساب سود و زیان شرکت لوله سازی ایران 101 ص - ‏تمرین ‏1- صورت حساب سود و زیان ‏–‏ اطلاعات زیر مربوط به شرکت لوله سازی ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد شناخت خداوند و فلسفه وجو خدا از ديدگاه علامه طبابائي

دانلود مقاله در مورد شناخت خداوند و فلسفه وجو خدا از ديدگاه علامه طباباي - ‏1 ‏2 ‏مقدمه: ‏درد امروز بشر فقط مولود فقر صنعت و تكنولوژي نيست بلكه ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سيكاها ( نيروگاه آبي )

دانلود مقاله در مورد سيكاها ( نيروگاه آبي ) - ‏سيكاها (آبشارها) ‏  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏در ‏جنوب‏ پل گرگر يا پل دروازه‏(آبشارها)‏، در سمت چپ و راست ‏رود...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سوره بقره

دانلود مقاله در مورد سوره بقره - ‏2 ‏سوره بقره ‏–‏ آیات 15-20 ‏جامع البیان (طبری) ‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ‏الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَع...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سوره مریم 142 ص

دانلود مقاله در مورد سوره مریم 142 ص - ‏2 ‏مقدمه ‏اين سوره در مكه نازل شده و 98 آيه است ‏محتواى سوره ‏اين سوره از نظر محتوا داراى چندين بخش مهم ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سنسورهای دربهای اتوماتیک 7 ص

دانلود مقاله در مورد سنسورهای دربهای اتوماتیک 7 ص - ‏1 ‏سنسورها‏ی‏ دربها‏ی‏ اتومات‏ی‏ک ‏امروزه‏ سه نوع مختلف از سنسورها‏ی‏ دربها‏ی‏ اتومات‏ی‏ک‏ ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سنسورهاي اثرهال

دانلود مقاله در مورد سنسورهاي اثرهال - ‏1 ‏موضوع : ‏سنسورهای اثر هال ‏درس مربوطه: ‏آز کنترل صنعتی ‏مقدمه ‏يك عنصر هال از لايه نازكي ماده هادي با...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سنسورها و رو شهاي تشخيص رنگ در صنعت 23 ص

دانلود مقاله در مورد سنسورها و رو شهاي تشخيص رنگ در صنعت 23 ص - ‏22 ‏سنسورها ‏و ‏رو ‏شهاي ‏تشخيص ‏رنگ ‏در ‏صنعت ‏چكيده: ‏براي ‏تشخيص ‏رنگ ‏در ‏ص...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد سنسورها و رو شهاي تشخيص رنگ در صنعت 23 ص

دانلود مقاله در مورد سنسورها و رو شهاي تشخيص رنگ در صنعت 23 ص - ‏22 ‏سنسورها ‏و ‏رو ‏شهاي ‏تشخيص ‏رنگ ‏در ‏صنعت ‏چكيده: ‏براي ‏تشخيص ‏رنگ ‏در ‏ص...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد زنان و اسلام 200 ص

دانلود مقاله در مورد زنان و اسلام 200 ص - ‏همايش ملي نقش زنان در توسعه پايدار ‏مجموعه مقالات 2 ‏ 1‏ ‏زنان و اسلام ‏مقدمه: ‏زن آيينه‏‌‏ي تمام نم...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد رابطه روانشناسي و دين 160 ص

دانلود مقاله در مورد رابطه روانشناسي و دين 160 ص - ‏12 ‏رابطه روان‌شناسي و دين ‏تولد روان‌شناسي دين به ابتداي قرن حاضر باز مي‌گردد . اين گستره د...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد داستان گل مريم 124 ص

دانلود مقاله در مورد داستان گل مريم 124 ص - ‏به نام خدا ‏گل مريم ‏وفا كنيم وملامت كشيم و خوش باشيم كه در طريقت ما كافريست رنجيدن ‏(حافظ) ‏اين ي...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد خاکبرداري 17 ص

دانلود مقاله در مورد خاکبرداري 17 ص - ‏1 ‏خاکبرداري ‏ ‏آغاز هر کار ساختماني با خاکبرداري شروع ميشود . لذا آشنايي با انواع خاک براي افراد الزامي ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل

دانلود مقاله در مورد حجم نمونه و جامعة آماري

دانلود مقاله در مورد حجم نمونه و جامعة آماري - ‏1 ‏1 ‏موضوع : ‏حجم نمونه و جامعة آماري ‏1 ‏3 ‏حجم نمونه و جامعة آماري ‏در تعريف نمونه يا جمعيت ...

قیمت : 6,000 تومان

توضیحات بیشتر دریافت فایل